هل غياب المرجعية الدينية فى السودان سببٌ فى تيه القيادية السياسية؟!
إبراهيم مليك
تاريخياً نجد أن المسلمين بلغوا المجد وسادوا العالم عندما كان علماء الدين والفقهاء هم الذين يتحكّمون فى الشأن السياسي عندما رئيس الدولة هو الذى يعتلى المنبر يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويطبق أحكام الله فى العباد ويمتثلها قبل الرعية ويقود الجيوش ويسوس العباد …
بعد القرون الفاضلة وصار الملك عضوداً وحدث نزاع بين السلطة الدينية والسلطة السياسية وتماهى علماء الدين مع السلطان خوفاً من بطشه وفسد الحكام وساد الظلم وسُجِن العلماء الربانيين وعُذِبوا لأنهم لم يفتوا للسلطان بما يريد حدثت جفوة وتباعد بين القيادة السياسية والقيادة الدينية فظهر مصطلح (علماء السلطان) وهم الفقهاء الذين يتقربون بعلمهم للحكام ويفتون لهم بما يريدون فسقطت هيبة علماء الدين فى نظر العوام وهذا سبب ظهور العلمانية فى أوربا وأخيراً ظهر التيار العلمانى بين المسلمين بسبب ضعف دور علماء الدين الذين يرون وجوب إبعاد الدين من السياسة حتى لا يحدث صدام بينهم….
فى السودان نجد الإمام المهدى عندما صدع بدعوته وحدث خلاف فى حقيقته مهديته لم يجد أنصار إلا فى المناطق التى ينتشر فيها الجهل والخرافة فكان معظم الأنصار من العوام تملأهم العاطفة الدينية ولا يعرفون عن المهدى المنتظر إلا اسمه … وعندما انتقل الإمام المهدى وخلفه التعايشى سادت الفوضى والبطش فنكّل الخليفة بخصومه الذين أنكروا أن الإمام المهدى ليس هو المهدى المنتظر…!
وظهر ندٌ للإمام المهدى وهو السيد الميرغنى الذى ينتمى للعترة النبوية حسب الروايات المتداولة بين أتباعه والناس مأمون على أنسابهم فكانت المنافسة بين الطائفتين سياسياً وغابت المرجعية الدينية المؤثرة فى السودان بسبب تنافس قيادة الطائفتين فى الشأن السياسى …
الإمام الصادق المهدى عليه رحمة الله كان يمثل السلطتين (الدينية والسياسية ) ولكنه كان يميل للسياسة أكثر من الدين مما جعل كثير من الأنصار التقليديين يبتعدون عنه وفى عهده حدث انشطار لحزبه بصورة كبيرة لعوامل مختلفة …
ظهرت شخصية ثالثة جمعت بين الفكر الدينى والسياسى وهو الشيخ حسن الترابى والذى جاء بنهج الإخوان وكوّن الحركة الإسلامية التى جمعت بين السلطة الدينية والسياسية وحكمت البلاد ثلاثين عاماً حدث فيها خلاف بين الإسلاميين فقاد البلاد إلى النهايات الماثلة أمامنا اليوم …
لم تغفل قوى اليسار التى ترى فى كل الطوائف الإسلامية هوس دينى فنشأ جيل يسارى يحمل الكراهية والحقد ونشأت حركات الهامش التى تشبع بعض أتباعها بالحقد المجتمعى …
الطرق الصوفية هى الأخرى غاب دورها فى تزكية المجتمع بصورة منهجية رغم انتشار الخلاوى وتخريج أعداد كبيرة من الحفظة إلا أنها لم تحدث تغيير جذرى فى بنية المجتمع الدينية حيث ما زالت الخرافة والجهل منتشر وسط أتباع الطرق الصوفية؛ وأصبح شيوخ الصوفية يتنافسون فى السجادات والزعامة الدينية فغابت المرجعية الدينية والشخصية المركزية التى ترجع لها السلطة السياسية …
وأخيراً ظهر تيار دينى آخر له وجود فى الساحة السودانية وهو التيار السلفى الذى يمثل نقلة فى التدين الذى جمع بين تصحيح العقائد والابتعاد عن منازعة السلطان متأثراً بالفكر الدينى السلفى ومنهج أهل الحجاز …
رغم وجود هيئة علماء السودان وهى هيئة جمعت كل الطوائف الدينية إلا أنها هيئة ضعيفة الأداء والإمكانات مما جعلها عرضة للابتزاز فلم يعد لها تأثير فى الشأن العام لأنها ليست هيئة مستقلة فهى تخضع لسلطة النظام السياسى القائم …
هذا الواقع فى السودان أفرز مجتمع تسيطر عليه النزعات الجهوية والطائفية ولم لعلماء الدين أى تأثير ولا دور فى مجريات الأحداث بالبلاد…
صارت الأحزاب التى يقودها نشطاء السياسية وأيتام السفارات الذين يتكسبون من العمالة والارتزاق فى الخارج هم الأعلى صوتاً…!
وأصبح الشعب السودانى مصدر للسخرية والتندر بسبب الحرب وإفرازاتها..
يبقى السؤال المهم :_
هل غياب المرجعية الدينية المركزية وعدم التنسيق بين السلطة السياسية والسلطة الدينية هي سبب تردى الأوضاع بالبلاد ؟!
ومتى يكون لعلماء الدين دور حقيقى فى توجيه المجتمع بدلاً من الإنقياد لقيادة سياسية لا تملك أى مرجعية فكرية لإدارة شأن البلاد!؟