عندما يبكى الرجال
كتب / حسن البصير
بينما كنا فى دار المقاومة الشعبية نُجهِز المستنفرين و الجميع مُنشغل بالتحضير للتحرك للمواقع الأمامية فإذا بشيخ تجاوز السبعين من العمر تبدوا عليه آثار الإعياء و قد بلغ به الجهد و إشتعل الراس شيبأ، جاء يتوكى على عصأ لا يكاد يقوى على الوقوف، حاول أن يُجمِع قواه المنهكة و وقف فى وضع “إنتباه” مع ضرب رجله بالأرض و قال لقد حضرت و جاهز للتحرك !!
لم أتمالك نفسى لهذا المشهد المؤثر الذى يؤكد على إستجابة الجميع لنداء الإستنفار و إستجابة لأمر الله تبارك وتعالى الذى قال ” إنفروا خفافاً و ثقالا “ و كان على أن اشعره بأهمية دوره و رفع روحه المعنويه… قلت له جزاك الله خيراً يا شيخنا إن أبناءك المستنفرين قد سبقوك و قد إكتمل العدد المطلوب لم يقبل بذلك
قلت له أن التحرك للمواقع الامامية يتطلب إختيار الشباب و لا نقول إننا نستغنى عن دورك يمكن أن نستعين بك فى الارتكازات الداخلية .
عندما سمع ذلك و تأكد من عدم تحركه مع المستنفرين جلس على الأرض يبكى كما يبكى الأطفال
و قال : يا “ولدى أنا ماشى أخد حقى و أجيب ثارى “
قلت له : نحن يا بوى بنجيب ليك حقك
قال : حقى داير اجيبه بيدى.. لقد ماتت زوجتى فى الطريق بعد أن هجرونا عن بيوتنا.. ثم كشف لى عن ظهرة و كان مسخناً بالجراح من أثار الضرب بالسياط
قلت له : ما القصه يا شيخنا!
قال لى نحن من قرية فى شرق الجزيرة دخل علينا الجنجويد فى البيت و لم يكفيهم أخذ قوتنا و بعض متاعنا ثم حاولوا الدخول إلى مكان تواجد النساء و عندما حلت بينهم و بينهن ضربنى أحدهم بالسوط.. كما ترى لم يندمل الجرح بعد
و ظل يبكى لعدم سماحنا له بالتحرك مع المستنفرين و لم أجد شىء غير أن احتضنه و أبكى معه و أتى إلينا أحد الزملاء يسال عما يبكينا فكشفت له عن ظهر الشيخ فبكى معنا حتى أشفقت عليه و قلت ليتني لم اريه ذلكم الظهر الملتهب للشيخ السبعينى
إن دموع الرجال عندما تنسكب فإن الامر جلل و المصاب لعظيم و لا ندعوكم للبكاء و لطم الخدود أو شق الجيوب إنما هى دعوة لبذل العرق و الدماء فى ميادين الفداء و نصرة الضعفاء و الثار لليتامى و النساء… هى دعوة لتطهير أرض السودان من الغزاة المعتدين من مليشيا أل دقلو المجرمين… هى دعوة للمقتدرين من أصحاب الأموال للجهاد و تجهيز المجاهدين و خلافتهم فى اهلهم
هى دعوة لأصحاب العربات و الشاحنات فإننا فى المقاومة كثير ما ياتى إلينا من يريد القتال فى الصفوف الأمامية مقدماً روحه فلا نجد ما نحمله عليه فتفيض أعينهم من الدمع •• هى دعوه للمسؤولين من الولاة و الوزراء من يمتطون من العربات افخرها ترجلوا منها و إدخروا وقودها لمتحركات المتقدمه فإنها أولى من تحرككم فى امورٍ ثانوية
و ابزلوا أموال الجبايات على المتحركات فإن المواطن الذى يدفع يريد مقابل ما دفع أمناً و إستقرار و رعاية للنازحين •