مثقال ذرة من الحاجة المُلِحَّة لبعضِ الحلولِ العاجِلة
مِنِّي (عثمان البدوي).
*صباح الخير على هذا الوطن المحتاج لتضافر كل الجهود المخلصة.. و النوايا الحسنة ..
*أكتبُ لكم الآن من سرير الإنتظار.. بمركز الأورام.. في مستشفى القضارف..
و أنا أعرِف تماماً أن الكتابة -هذه الأيام- في أي موضوع غير وجع الحرب.. ربما تبدو -في نظر البعض- إهتماماً هامشياً.. ضعيف الأهمية.. لكنني أستأذنكم لأُبدي ثلاث ملاحظات لا بُد من الإشارة إليها.. و أنتظِرُ تفاعلاً إيجابياً سريعاً معها:
*1 : الملاحظة الأُولى.. تتعلق بأداءِ العاملين في هذا المركز.. الذي وصلتُهُ بعد السابعة صباحاً بقليل.. -حسب جدولي العلاجي الدَّوريِّ الدائم- .. مُستنداً على كتف ولدي الطبيب.. لِنَجِدَ مُشرف صالة الإستقبال “عثمان” .. يُلقي تحية الصباح بنفس ابتسامتِهِ الدائمة.. و وجهِهِ الذي لا يعرف التقطيبةَ و التجهم -رغم ضغوط العمل- .. و يستلم كروت المرضى.. بنفس ترتيب حضورهم.. و يرجوهم الإنتظار قليلاً.. ريثَما يفرغ طاقم النظافة من ترتيب.. و تعطير غرف الإنتظار.. و يعرض عثمان على بعض المرضى.. -تقديراً لحالتهم- .. أن يُوفِّرَ لهم -بمساعدةِ بعضِ زميلاتِهِ و زملائِهِ- .. كراسي للجلوسِ في ظلِّ الصباح.. لِحِينِ الفراغ من تهيئةِ الغُرف لاستقبالِهِم..
*و عندما تعبُر إلى الداخل.. تُحس بالحرج و أنت تخطو بِحذائكَ على الأرضيات اللامعة.. في غُرف و ممرات مُعطَّرة.. و ما تكاد تبدأ في الإعتذار حتى تحاصرَكَ -مرةً أخرى- نفس الإبتساماتُ الطيبات.. و التحيات الزاكيات.. من عاملات طاقم النظافة.. و هُنَّ يُرددنَ : (لا عليكم الله يا اخواننا.. تاخدوا راحتكم.. ؤ تدخلوا طوالي بدون حرج.. لأنو دا حقكم علينا.. و واجبنا تجاهكُم.. مُتأسفين نحنَ الأخرناكم شوية)..!!
*قُلتُ لنفسي : (باللهِ عليك الله زي البَشَر الملايكة ديل ربنا خلقم من ياتو طينة.. ؤُ لماهُم كلهم في الحِتَّة دي لي ياتو حِكمة؟!! .. و اللهِ لو كنا جميعاً نؤدي واجباتنا بهذا القدرِ من الإخلاص.. و التفاني.. و عُلُوِّ الهِمَّة.. لَمَا سقط هذا الوطن في هذا الدرك السحيق من تَرَدِّي الأحوال.. و سوءِ المآل.. ؤكُنا طلعنا فوق شديد.. بدل ما نقعد نردد من الطوق ؤُلي فوق ساي : (فوق.. فوق.. سوداننا فوق)..
*أما باقي طواقم العمل الأخرى التخصصية.. و الفنية.. و الإدارية.. و المُساعِدة.. في هذا المركز… خلِّينا نُؤجِّل الكلام عنهم لجلسة أُخرى .. -بمشيئة الله- .. إذا في العمر بقية..
* … * … * … *
*2 : الملاحظة الثانية : تتعلق بحالة مستشفى القضارف الذي بلغَ درجة من الإكتظاظ و ضيق الممرات يصعب معها التحرك بالأرجل.. أو في ركشة.. أو على النقالة التي يُحمل عليها المريض العاجز عن الحركة..
*الأمر الذي لا جِدال حوله هو أن الدعم الذي ظل يُقدِّمُه مواطنو القضارف لمؤسساتهم العلاجية بسخاءٍ.. و دون مَنٍّ و لا أذى.. كان كافياً لقيام عدة مؤسسات علاجية متخصصة .. في مساحات واسعة.. منفصلة عن بعضها البعض.. لكننا -بنفس عاطفة تماسكنا الأُسري الذي يجعلنا نُصِر على البقاء داخل حوش العائلة القديم- ظللنا نحرص على توسيع دائرة الخدمات الصحية و العلاجية داخل نفس مساحة مستشفى القضارف التعليمي القديم.. الذي ورثناهُ من السلطة الإستعمارية.. أيام كنا نحن “شِوَيَّة” .. و حتى أمراضنا ذاتا كانت “شُويَّة”..
*الذي أردتُ أن أخلُص إليهِ في هذا الشأن.. هو أن المساحات المناسبة لقيام مستشفيات تخصصية جديدة في أنحاء الولاية ربما تناقصت كثيراً.. و لكن هِمة المواطن ما زالت عالية.. لهذا أرجو الإسراع بتغيير سياساتنا التوسعية.. حتى نتمكن من إنشاء مؤسسات علاجية عامة.. مستوفية لِكُلِّ معايير الجودة الشاملة.. العالية.. العالمية.. (بدل ما نستمر في توسيع دائرة الخلل.. و تعميق حُفرة الورطة التي سيستعصي – يوماً ما- الخروج منها..
* … * … * … *
*3 : نقطة أخيرة أُريد أن أهمس بها في أذن المواطن و جهات الإختصاص.. تتعلق بالفوضى العامة.. و تراكم الأوساخ في الأسواق و الطرقات : أنا -بسبب ظرفي الصحي- صِرتُ
قليل الخروج إلا للعلاج أو الضرورات الإجتماعية القصوى.. و في كلِّ مرةٍ أمشي فيها مشواري هذا بين أكوام المخلفات.. و اختلال حركة السير .. و فوضى العرض و الطلب في الأسواق .. و تدني ثقافة القيادة.. و الاستخفاف باحترام شروط قواعد المرور في حالتيْ الحركة و الوقوف.. إلخ.. إلخ.. إلخ….. أُحس بمزيدٍ من القلق على بؤس الحال الظاهر.. و انحدار الحالة الصحية.. و تَدنِّي المظهر العام.. في كلِّ مُكوِّنات هذه البيئة التي تزدادُ -بلا إنقطاع- تلوثاً سلوكياً.. و ثقافياً.. مما يجعلنا نتساءل في حيرة : (طيِّب ما دام دا الحال.. فوق كم الإصرار على إغلاق الأسواق في أيام محددة من الأسبوع.. بغرض الإصحاح.. و التطوير.. و الإصلاح..؟؟!!!) ..
* … * … * … *
*لكم التحيات الزاكيات..