الفاتح داوود يكتب: في حضرة الناظر”دقلل”.. الذي شكل من نفسه أغلبية
حالة من الاحتفاء الممزوج بالوفاء والاحترام المتبادل، قابلت بها الفعاليات الرسمية والشعبية بولاية البحر الاحمر، موكب الناظر علي إبراهيم ‘دقلل’ ناظر عموم قبائل البني عامر، الذي حط رحاله في حاضرة ولاية البحر الأحمر قادماً من كسلا، على رأس قافلة إنسانية وطبية كبيرة سيرها خريجي وطلاب طوكر بالجامعات والمعاهد العليا ومنظمة حكيم الإنسانية، لمواسأة أهله في مدينة طوكر المنكوبة بالسيول والفيضانات.
ورغم الطابع الشعبي والإنساني لزيارة الناظر دقلل، إلا أن هذا الحدث قد شكل علامة فارغة ونقطة تحول كبيرة، في مسيرة الرجل الحافلة بالعطاء الإنساني والمجتمعي، وكذا في مهام رجل الإدارة الأهلية، الذي يجب أن يتجاوز الأدوار التقليدية، ويقود المبادرات المجتمعية والشعبية، وأن يسعى جاهداً لبناء جسور التواصل وتعزيز اللحمة الوطنية بين أبناء الشعب السوداني، بلا فواصل جهوية أو مناطقية.
مهما تباينات المواقف حول شخصية الناظر علي إبراهيم دقلل، اختلف الناس أو اتفقوا حول رؤيتهم له، لكن لا أحد يستطيع إنكار فضل الرجل في بناء السلم المجتمعي وتعزيز التعايش السلمي في شرق السودان، حتى تحول “دقلل” في الآونة الأخيرة، من رجل إدارة أهلية يتحرك في حيز جغرافي محدود، إلى أيقونة للتسامح والسلام والمحبة، بفعل حراكه المستمر والمدهش، حيث ظل ينتقل من موقف إلى آخر بسلاسة يحسد عليها، مدافعاً عن حقوق أهله وعشيرته، مواسياً لهم في المحن والإحن، جابراً لخواطرهم في الأفراح والأتراح، بل ذلك حاضراً بحكمته وحنكته في حلحلة معظم الفتن التي نزلت بأهل الشرق.
يدافع عن ما يؤمن به من قناعات راسخة، حتى في أصعب المواقف الحالكة التي هزت الشرق، ويحمد له أنه استطاع إرساء تقاليد راسخة في ما معنى أن يستعلي رجل الإدارة الأهلية على الصغائر وسفاسف الأمور.
لم يستحوز الحكيم “دقلل” على كل هذا الحب الجارف والاحتفاء العظيم أينما حل، لبسطة في الجسم أو كثرة في المال أو لعنفوان الحاشية، بل لأنه كان يتعاطى مع الناس والقضايا العامة بصدر رحب وأفق مفتوح وسقوفات أخلاقية عالية، ساعدته في تجاوز الأطر المرسومة بعناية لما يجب أن يكون عليه رجل الإدارة الأهلية.
ليس مستغرباً وجود حالة الالتفاف والتواصل العميق والأبوية والدفء العاطفي، بين طبقة الشباب وروابط الطلاب والمستنيرين والمثقفين من أبناء البني عامر حول قيادة الناظر الذي لم يخذل أبناءه بمواقفه القوية وإيمانه الراسخ حد اليقين، خاصة إبان “الأزمات والمحن” التي كادت أن تعصف بشرق السودان، إنه شخص خلق من طينة الكبار، وأنه بطبعه متمرد على المحددات التقليدية الجائرة، التي وضعت أمام رجل الإدارة الأهلية، حتى يكون صدئ لصوت القبيلة ظالمة أو مظلومة.
أثبتت المحن أن “دقلل” الحكيم رجل من نسج الكبار، لأنه جريء في طرحه للقضايا بلا خوف، وشجاع في مقاربته للحلول بلا تسويف، ومنفتح على الجميع بلا تحفظات ،حتى وإن كان ذلك خصماً على رعاياه من أبناء النظارة، ويقيني أن هذا هو السر الذي جعل الرجل، عصياً على التصنيف الاجتماعي المتطرف، وعلى الترويض السياسي المبتذل، لأنه كان يعلم في قرارة نفسه أنه زعيم اجتماعي ولكن بلا فواصل جهوية، ورجل قبيلة كبيرة ولكن بلا تحيزات إثنية، وداعية خير وإصلاح لكن بلا تفريط أو إفراط، ومن المؤمنين باحقاق الحق بلا شطط أو تطرف، وقور ومتواضع وزاهد، يمشي في قضاء حاجات الناس، في صمت وبلا رياء، واحياناً يثير الغبار في أعمال الخير والبر حتى يستفز الآخرين للمشاركة في ثوابها.
لكل ذلك أصبح “دقلل” أيقونة إنسانية واجتماعية تجاوزت إطار قبائل البني عامر، لتعبر عن كل المؤمنين بالسلام والمحبة والتعايش.
ولا غرو في ذلك فقط استطاع بناء جسور من الصلات المجتمعية والوشائح الإنسانية والعلاقات المجتمعية على إمتداد جغرافيا السودان، حتى أصبح يشكل من نفسه اغلبية من نسج الشجاعة والأصالة، وحالة مدهشة من التوقعات الإيجابية أينما وضع بصمته، غير معني باتفاق أو اختلاف الآخرين حوله، لإيمانه أن الحياة عطاء وأن التاريخ وحده من ينصف الشرفاء، ثم يمضي في حال سببله تاركأ من خلفه غباراً كثيفاً من الجدل، حول فضائل أعماله وجليل أفعاله.. حفظ الله الناظر دقلل حكيم الشرق…